أبرم شبيرا
كلمة لا بد منها:
———-
قد يظهر بأنه مرة أخرى أحشر نفسي في شؤون دينية وأنا علماني إهتمامي الأول هو شؤون قومية سياسية ولكن للحقيقة أقول سبب ذلك هو أنه نعيش هذه الأيام بأمال كبيرة مفعمة بالتفائل بأن مباحثات الوحدة بين الكنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة قد تبدو منذ بدايتها بأنها تدنو نحو نتائج مبهجة لأبناء شعبنا مما يجعلنا أن نعيش هذه الأيام وعقولنا وقلوبنا مشحونة بإهمام كبير بهذا الحدث التاريخي، هذا من جهة. من جهة أخرى هو الترابط العضوي بين كنائسنا وأمتنا، أي بين الجانبين الروحي/الديني والمادي/ القومي في مجتمعنا، الذي سبق وفصلنا فيه كثيرا، والذي يجعل أمر مصير كلا الجانبين مرتبط مع بعضهما إرتباطاً قوياً، أي بما معناه كل حسنة أو مضرة لأمتنا فبالنتيجة الحتمية هي حسنة ومضرة للكنيسة والعكس صحيح أيضا. هذا الترابط العضوي بين الجانبين سيبقى قائماً وفاعلاً طالما الكنيسة كانت وبقيت المؤسسة الرئيسية الفاعلة في مجتمعنا وستبقى كذلك لأمد غير محدود طالما نحن غير قادرين على خلق مؤسسة رئيسية علمانية فاعلة وبديلة تتمثل في كيان قومي سياسي قادر على القيام بدوره الرئيسي كمؤسسة رئيسية تمثل الأكثرية من أبناء شعبنا، وقمة هذا الكيان يتمثل في دولة أو منطقة حكم ذاتي أو إدارة محلية مستقلة، أؤكد هنا على كلمة مستقلة. هذه الأسباب هي التي تجعلنا أن نحشر نفسنا في شؤون دينية لأنه بالنتيجة الحتمية، شئنا أم أبينا، وفي التحليل الأخير هي شؤون قومية في عصرنا الحالي، كما أسلفنا أعلاه.
خلفية تاريخ للكنيسة:
————
الكنيسة التي نحن بصددها هي كنيسة المشرق بكل تفرعاتها وتسمياتها المتعددة، ولكن بسبب الأجواء الحالية المبنية على التفائل القائمة على النتائج المرجوة من الإجتماع بين الكنيستين أعلاه، سنحصر حديثنا بشكل عام على الكنيستين المعروفتين حاليا بـ المشرق الآشورية” و “الشرقية القديمة” لكونهما الوريث الأصلي والمستمر للكنيسة التي نشأت في بلاد النهرين، أو بالأحرى في بلاد آشور، منذ العقود الأولى للمسيحية. فلا أحد يستطيع أن ينكر بأن هذه الكنيسة تعتبر من أقدم الكنائس في العالم وأنها الكنيسة التي أستمرت عبر قرون طويلة وإجتازت صعاب شديدة وتحديات مميتة وأنها كانت من أفقر الكنائس في العالم، ليس من الناحية الإقتصادية والمالية فحسب بل أيضا من الناحية السياسية وتمثل هذا الفقر السياسي في عدم كونها كنيسة رسمية لدولة معينة ولا أسسوا مؤمنيها دولة خاصة بهم ولم يكن هناك ملكاً ذو شأن من أتباعهم لدولة محددة ومستقرة، لا بل ولم تكن في الماضي ملحقة أو في شركة مع كنائس أخرى ولا في الحاضر هي من ضمن العوائل الكنسية الأربعة الأعضاء في مجلس كنائس الشرق الأوسط. والأكثر من هذا وذاك هو كون مؤمنيها منذ القدم وحتى اليوم أقلية بين أكثريات مختلفة عنهم من نواحي عديدة دينية وفكرية وثقافية ولغوية وتراثية وحتى نفسية خضعوا لأنظمة سياسية ودول وأمبراطوريات متعدد ومختلفة. هذه الظروف والعوامل هي التي جعلت منها أن لا تستقر وأن لا يستقر كرسي بطريركها في مكان واحد. لهذا نرى بأنه منذ تأسيسه في ساليق قطيسفون (المدائن حاليا) في السنوات الأولى قد أنتقل إلى بغداد في عهد البطريرك طيمثاوس الأول (780-823) ثم بسبب الغزو المغولي أنتقل الكرسي إلى المناطق الشمالية، إلى مراغا في إيران في عهد البطريرك يابالاها الثالث المغولي الأصل عام 1295 (أنظر هنا تأثير العهد المغولي على الكرسي البطريركي)، ثم إلى أربيل فكرمليس فموصل فالجزيرة فدير الربان هرمز القريب من ألقوش ثم إلى مناطق أكثر جبلية وعصية عندما أستقر في قرية قوجانس في منطقة حيكاري. وبعد الحرب الكونية الأولى وما ترتب على الكنيسة وأتباعها من مأساة وتهجير أضطرت الكنيسة وأتباعها وبطريركها الإرتحال إلى المناطقة التي أصبحت من ضمن الدولة العراقية التي تأسست عام 1920-1921. وعقب أحداث مذبحة سميل عام 1933 نفيً البطريرك المثلث الرحمات مار شمعون إيشاي خارج العراق فأستقر أول الأمر في قبرص ثم لندن وأخيرا في الولايات المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو وفيما بعد أنتقل إلى مدينة سان خوزيه حتى إغتياله عام 1975. وبعد إختيار المثلث الرحمات مار دنخا الرابع كبطريرك أنتقل الكرسي إلى مدينة شيكاغو وفي عهد قداسته أتخذ المجمع المقدس للكنيسة قرار بإرجاع الكرسي البطريركي إلى بلاد ما بين النهرين كسابق عهده التاريخي. وبعد إنتقاله إلى الأخدار السماوية أختير المطرابوليت مار كوركيس صليو ورسم عام 2015 كبطريرك للكنيسة في عنكاوه – أربيل حيث أستقر الكرسي البطريرك هناك حتى تنحيه عنه عام 2021 لأسباب صحية. ومنذ أيلول من عام 2021 وحتى اليوم يجلس حاليا وببركة الرب قداسة مار أوا الثالث روئيل على الكرسي البطريركي في عنكاوة – أربيل، وقداسته هو البطريرك الثاني والعشرون بعد المئة في سلسلة بطاركة كنيسة المشرق. فلو بحثنا في تواريخ الكنائس المسيحية قاطبة سوف لا نجد مثل هذا الإنتقال لمقر كرسي البطريرك إطلاقاً وهذا يجعلها كنيسة فريدة من نوعها وإستثنائية من بين الكنائس المسيحية في العالم.
العوامل المؤثرة في تسمية الكنيسة:
——————–
أسردت بأختصار الخلفية التاريخ للكنيسة لاؤكد بأن كل الظروف والعوامل التاريخية من موضوعية وفكرية وثقافية وسياسية وإقتصادية وعدم إستقرار الكرسي البطريركي في مكان واحد أثرت بكشل كبير على الكنيسة من حيث بعض النتائج التي أفرزتها هذه المؤثرات وأهمها أذكر من الماضي تبني الكنيسة لنظام الوراثة “ناطر كرسي” في إختيار البطريرك ومن ثم نشؤ الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. ومن التاريخ المعاصر تبني الكنيسة للتقويم الغريغوري بدلا من التقويم اليوليالي وغيرهما من المسائل الإدارية والتنظيمية بما فيها من إنقساقات وتبرعم كنائس أخرى منها، ولكن مع كل هذه العوامل القاسية والظروف المميتة بقى إيمان الكنيسة، سواء في المعتقد أم في تعاليم الأباء الأوائل للكنيسة وفي تراثها الأولي، بقى قويماً في جوهره إلا في جوانب معينة وبسيطة تطلبتها عصرنة البعض منها خاصة فيما يتعلق بالتقاليد التي توارثتها الكنيسة ولكن من دون أي تأثير في جوهر الإيمان. ومن تأثيرات هذه العوامل على الجانب الشكل، والذي نحن بصدده هو تسمية الكنيسة.
تسمية الكنيسة عبر تاريخ مائة قرن وحتى اليوم:
—————————-
من المعروف تاريخياً بأن الكنيسة التي نحن بصددها تأثر أسمها طبقاً لتأثيرات العوامل والظروف التي سبق الأشارة إليها، فمن كنيسة المشرق إلى الكنيسة الفارسية إلى الكنيسة النسطورية، أو الكلدانية في فترات معينة، إلى الكنيسة الشرقية النسطورية أو السريانية الشرقية وحتى يومنا هذا إلى كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة واللتان نحن بصددهما. فمن الملاحظ بأنه بسبب هذه التأثيرات لم تسلم الكنيستين من بعض الأخطاء والتخبطات في تسميتهما، لا بل هناك ردود فعل في جوانبهما. فلوا أخذنا كنيسة المشرق الآشورية نرى بأن تسميتها الرسمية “الكنسية” هي “كنيسة المشرق الآشورية الرسولية الجاثليقية المقدسة”. وباللغة الإنكليزية هي:
“Holy Apostolic Catholic Assyrian Church of the East” وباللغة الآشورية هي “عيتا قدشتا و شليغيته قاتوليقي د مدنخا د أتورايه“، (ܥܕܬܐ ܩܕܝܫܬܐ ܘܫܠܝܚܝܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ܕܡܕܢܚܐ ܕܐܬܘܪ̈ܝܐ)، وكما هو مبين في الموقع الإخباري للكنيسة.
فلو دققنا ولو بشكل سطحي غير عميق سنرى ومنذ البداية في هذا الأسم الطويل للكنيسة ردود فعل لما واجهتها من تأثيرات ومصاعب وحتى إتهامات بالهرطقة أي بـ “النسطورية” وتجريدها من رسوليتها. فالإشارة إلى كونها مقدسة رسولية ما هي إلا كرد فعل للتهمة التي وجهتها لها الكنائس الأخرى بأنها كنيسة هرطوقية نسطورية لتؤكد بأنها ليست كذلك بل هي كنيسة مقدسة رسولية. أما بالنسبة للتناقض الظاهر في هذه التسمية الطويلة، نراه في كلمة (الجاثليقية أو الكاثوليكية أو الجامعة) وتناقضها مع الآشورية أو الآشوريين. فكيف تستقيم الكاثوليكية العامة والمعني بها الشاملة لمعظم الشعوب والقوميات مع الآشورية الخاصة أو الآشوريين كقومية وحدهم؟. ومن الأخطاء الواردة في هذه التسمية الطويلة هو الإختلاف الظاهر في أسم الكنيسة بالعربية والإنكليزية من جهة مع أسم الكنيسة في اللغة الآشورية. ففي العربية والأنكليزية هو “الآشورية” و “Assyrian” وفي اللغة الآشورية هو “د أتورايه” – ” ܕ ܐܬܘܪ̈ܝܐ“، أي “الآشوريين” أو للأشوريين. إذن فالترجمة الكاملة بالعربية ستكون “كنيسة المشرق المقدسة الرسولية الجاثليقية للآشوريين” أو إختصارا كنيسة المشرق للآشوريين، ونحن نعلم جميعاً بأن كنيسة المشرق كانت تضم شعوب أخرى غير الآشوريين. وهنا، لا في اللغة هو صحيح بين اللغات الثلاثة ولا يتوافق مع المنطق. فالآشورية هي صفة لحضارة ووطن ولغة وتاريخ وتقاليد. في حين الآشوريين هو أسم لشعب معين ومعروف في التاريخ والحاضر، فهناك فرق في اللغات بين الأسم والصفة، كأن نقول الإنكليز(أسم) والإنكليزية (صفة) أو العرب (أسم) والعربية (صفة) وهكذا، ولكن يظهر بأن رجال الكنيسة لم يدركوا هذا الفرق بين الأسم والصفة في تسمية الكنيسة.
أما بالنسبة للشطر الثاني من الكنيسة، أي الكنيسة الشرقية القديمة “ܥܹܕܬܵܐ ܥܲܬܝܼܩܬܵܐ ܕܡܲܕܼܢܚܵܐ” فهي الأخرى تأثرت كثيرا بعوامل نشؤها وخلفياتها. فعلى الرغم من حذف كلمة “الآشورية أو الآثورية” من أسمها فإن لا أحد يستطيع أن ينكر آشورية مؤمنيها جميعاً أو كونهم جميعاً آشوريين، ولكن لهذا الحذف خلفية تاريخية مرتبطة بنتائج أحداث مذبحة سميل للآشوريين عام 1933 وبزعمائها الذين وقفوا مع الحكومة العراقية ضد زعماء الحركة القومية الآشورية والمطالبين بالحقوق القومية للآشوريين. كما وأن تأكيدها على كلمة القديمة ܥܲܬܝܼܩܬܵܐ” فهي دلالة واضحة على تمسكها بالتقويم القديم اليوليالي وبإصالة الكنيسة وتقاليدها القديمة. بالإنكليزية أسم الكنيسة هو: THE ANCIENT CHURCH OF THE EAST هنا نرى أيضا نفس الخطأ في عدم التفريق بين الأسم والصفة في اللغة الإنكليزية فـ “EAST” هو أسم ويعني الشرق أو المشرق في حين كلمة “الشرقية” صفة يجب ترجمتها إلى الإنكليزية بـ “EASTERN”. ومن الملاحظ أيضا بأن اسم الكنيستين هو طويل بعض الشيء (كانت كلمة الجاثليقية مرتبطة أيضا بالكنيسة الشرقية القديمة في السابق)، مما لا يتماشي مع العصر الحالي، عصر الإنترنيت ووسائل التواصل الإجتماعي، عصر السرعة الخانقة للوقت والزمن، لهذا نرى هناك أختصار في إستعمال أسم الكنيسة إلى كنيسة المشرق الآشورية أو الكنيسة الشرقية القديمة. على العموم، أن الغرض من عرض تأثيرات العوامل والظروف المحيطة بالكنيسة على أسمها هو إيجاد وطرح أسم للكنيسة الموحدة يتناسب مع الظروف الحالية، وهو أسم كنيسة المشرق الآشورية… ولكن لماذا؟